على الرغم من جهود الصين لاحتواء انتشار فيروس كورنا المستجد، بدأنا نشعر بالتأثير الفوري للأزمة بشكل واضح.
أعداد صغيرة من رعايا الدول الأجنبية أصيبت بالعدوى. وتدرس حكومات تلك الدول معضلة إعادتهم إلى بلادهم على أن يُعزل مَن يحمل
الفيروس فور وصوله إلى بلده.
وأغلقت بعض الدول حدودها أمام المواطنين الصينيين بشكل كامل. وفي بعض الأحيان، ظهرت مشاعر مزعجة وغير عادلة تجاه الصين والصينيين.
وبدا التأثير الاقتصادي الفوري للأزمة واضحا؛ فقد تأثرت القطاعات التي تعتمد على حركة البضائع والأفراد - مثل السياحة وشركات الطيران ومشغلي سفن الرحلات البحرية وخطوط الشحن التجارية.
وجعلت الأزمة سلسلة التوريد العالمية الخاصة بالعديد من المنتجات المهمة تحت الملاحظة؛ إذ قد تتوقّف جميع إمدادات الهواتف المحمولة والمعالجات الدقيقة وقطع الغيار لصناعة السيارات في أي وقت.
وربما يجد قطاع الخدمات، كالجامعات الأجنبية التي تقيم دورات تدريبية في الصين على سبيل المثال، أنّ دخله مهدد.
من المستحيل معرفة إلى متى سوف يستمر هذا الوضع أو تداعيات الأزمة على بكين؛ فالأمر يعتمد على ما سيحدث مع تفشي الفيروس.
وتقول بوني جلاسر، مديرة مشروع "تشاينا باور" في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: "تأثير (الأزمة) على صورة شي جين بينغ في الداخل والخارج سيعتمد على مدة استمرار
الفيروس وتأثير ذلك على الاقتصاد الصيني".
وتضيف: "إذا تمكن الحزب الشيوعي الصيني من السيطرة على تفشي
الفيروس وإنهاء الأزمة، فستستمر قلة من الناس داخل الصين في انتقاد الحزب لاستجابته البطيئة الأولية وجهود التستر على تفشي المرض".
وقالت جلاسر إنّ العديد من الدول التي سعت إلى الحصول على استثمار من الصين كجزء من مبادرة "الحزام والطريق" ستواصل ذلك، مضيفة: "سيستمرون في الحصول على قروض صينية لمشاريع البنية التحتية حيث لا توجد مصادر تمويل أخرى".
ولكن ما الأثر الدائم للأزمة؟ وإلى أي مدى يمكن أن يغّير ذلك من صورة الصين، وخاصة الرئيس شي جين بينغ، أو الاتجاه الذي تسير فيه البلاد؟
وكيف يمكن لتداعيات فيروس كورونا التأثير على العلاقة الرئيسية بين بكين وواشنطن؟
ومع وجود مؤشرات واضحة على "حرب باردة" تكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، هل يمكن للتوترات المحيطة بانتشار
الفيروس أن تزيد الأمور سوءا؟
لكن أولا، ما الذي أظهرته الأزمة عن الصين؟
تقول إليزابيث إيكونوم، مديرة الدراسات الآسيوية في مجلس العلاقات الخارجية، إنّه توجد روايتان مختلفتان داخل الصين.
وتستطرد موضحة: "الأولى، ويطرحها السلك الدبلوماسي الصيني، أنّ الصين اتخذت تدابير استثنائية لاحتواء
الفيروس - من أجل شعبها وكهدية لبقية العالم".
ويقولون إنّ هذه الإجراءات "يتمّ تفعيلها من خلال النموذج السلطوي القائم في البلاد".
لكن هناك رواية ثانية مفادها أنّ الصين "فقدت وقتاً ثميناً في معالجة الأزمة بسبب نظامها السياسي وتصميمها على إسكات الأصوات المستقلة"، وأنه "تحت حكم شي جين بينغ، أصبح المسؤولون المحليون أكثر خوفاً من الإقرار بأنّ الأمور لا تسير على ما يرام. وقد أعاق هذا أيضاً الاستجابة الفعالة".
وتقول إليزابيث إكونومي، المتخصصة في الشؤون الصينية، إن ما وجدته يثير القلق، مشيرة إلى "أنه حتى في أعقاب وفاة الدكتور لي وين ليانغ، يستمرّ الحزب الشيوعي في تعقب الأصوات المستقلة".
نظر الكثيرون في الصين إلى الدكتور لي وكأنه بطل لأنه أول من حذر من التهديد الذي يمثله تفشي فيروس ووهان. لكنه لم يستطع التغلب عليه.
وتقول إيكونومي: "كنا نأمل ان تنبه وفاته - والاستجابة الشعبية له - القيادة الصينية إلى أهمية الشفافية ووجود مجتمع مدني أكثر انفتاحا في التعامل مع أزمة ضربت جميع أنحاء البلاد".
وتشير إلى أنها لا تعتقد أنّ فيروس كورونا سيغير من تصورات الحكومة الصينية، بل "سيغذي ببساطة المعتقدات الموجودة؛إذ سيثني المؤيدون على آلية تفعيل الموارد (لمواجهة الأزمة)، بينما سيركز المنتقدون على غياب الشفافية والقلق بشأن دقة المعلومات المتاحة في الصين".
وعلى الصعيد الاقتصادي، ربما يكون مهمًا الحديث عن الأمور التي نعرفها عن
الفيروس وانتشاره.
فقد أظهر الوباء أهمية الصين بالنسبة للاقتصاد العالمي، وضرورة تنويع سلاسل التوريد الخاصة بمختلف المنتجات.
"ربما يشجع المزيد من الشركات على عدم الاعتماد على الصين بشكل كبير في مجال التصنيع، وكذا بالنسبة للاعتماد بشدة على السوق الاستهلاكية الصينية،" بحسب إليزابيث إيكونوميك.
في المؤتمر الأمني السنوي الأخير الذي حضرتُه في ميونيخ، ظهرت أزمة فيروس كورونا وتأثيرها المحتمل على العلاقة المتوسطة والطويلة الأجل بين واشنطن وبكين في الكثير من جلسات النقاش.
وأخبرني إيان بريمر، مؤسس وكبير الاستراتيجيين في مجموعة أوراسيا، وهي الشركة الرائدة في مجال المخاطر السياسية والاستشارات، أنّ الأزمة قد تعيد تشكيل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين بشكل كبير، ولكن ليس بالضبط للأسباب التي ربما يفكر فيها الكثير من الناس.